تربية الأبناء وأزمة التربية
رافد جديد
لقد أحسنت الهيئة المشرفة على جريدة ميثاق الرابطة… باختيارها إضافة محور جديد إلى محاور الجريدة القيمة التي نالت إعجاب القراء والمهتمين محليا ودوليا، والذين يقدر عددهم بالآلاف حسب إحصائيات الولوج إلى موقعها الشيق والمشرق، ألا وهو محور التربية، تحت عنوان: “بنونا أكبادنا” وبذلك تكون قد وضعت الأصبع على الجرح الغائر في جسم أمتنا الإسلامية؛ أمة الشهادة على الناس قال تعالى: “وتكونوا شهداء على الناس” [الحج: 75] وعلى مكمن الداء، بهدف استكتاب المهتمين بالميدان التربوي، وفتح النقاش حول الموضوع لاستبصار الطريق والعمل على تصحيح السير، وذلك من خلال البحث في الأسباب الكامنة وراء الأزمة الحقيقية التي تعيشها الأمة على جميع المستويات: الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والبحث أيضا في تجلياتها والنتائج التي أفرزتها، ثم اقتراح السبل القمينة بالتخفيف من حدة انعكاساتها، ذلك؛ لأن الرهان كل الرهان هو تربية الإنسان بمفهومها الشامل، وأن العالم من حولنا – شمالا وغربا وشرقا- يراهن على تربية أبنائه، يضع القضية في مقدمة أولوياته، لما لها من آثار على حياة الأمم ونهضتها وشهودها الحضاري ولو على المستوى المادي، في حين لا زالت أطراف عديدة من جسم أمتنا التي هي “خير أمة أخرجت للناس” [ال عمران: 110]، تراوح مكانها، ويحاول البعض منها – أفرادا وجماعات وأقطارا- أن يغالب التحديات الذاتية والخارجية، لكن بأجنحة مهيضة، وإرادات خائرة، ورؤى يخيم عليها الغموض، وتمثل للأزمة وأسبابها غير دقيق، الأمر الذي يجعل الإخفاقات حليفة معظم المحاولات الإصلاحية التربوية في المجالات النظامية (المدرسية)، والنتيجة هي نفسها حتى على مستوى الأفراد والأسر إلا ما كان استثناء محدودا.
لم تربية الأولاد خاصة؟
إن اختيار طرح قضية التربية عامة وتربية الأبناء خاصة للمناقشة والمعالجة عبر جريدة ميثاق الرابطة كان للاعتبارات الآتية:
1- النصح للأمة؛ بل لكل مسلم، خاصة من ذوي البصائر بالتوجيه إلى المزالق، والمنعطفات التي يلحق السكوت عنها أضرارا بالأفراد والجماعات ولو كان ذلك على المدى البعيد؛ فعن جرير بن عبد الله قال: (بايعت رسول الله على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم) أخرجه البخاري ومسلم.
2- التحولات التي تعرفها مجتمعاتنا على كل الأصعدة، هذه التحولات السريعة في وتيرتها، الجارفة بقوتها لدرجة أننا أصبحنا أسرى لنتائجها، ننفعل بها ولا نفعل فيها شيئا يحفظ شخصيتنا، وكأن هذه التغيرات قدر يسوقنا إلى حيث شاء، ناسين أو متناسين أن سنة التدافع الثابتة في ثقافتنا ومرجعيتنا قانون وضعه الله تعالى لتثبيت قيم السماء/ القيم الإنسانية ومقاومة الرياح العاتية لمحوها أو تغييرها، قال تعالى: “ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض” [البقرة:249]. فجعل سبحانه وتعالى التخلي عن السنن الكونية سببا في انتشار الفساد في الأرض. ولا يمكن مقاومته إلا بالإيمان بصدق وعد الحق سبحانه: “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الاَرض” [الرعد:17].
وفي هذا السياق، سياق التدافع بهدف إثبات الوجود، والبقاء للأصلح يأتي هذا الاختيار خاصة وأن تراثنا التربوي غني يحتاج فقط إلى إعادة الصياغة للملاءمة الحضارية بما تقتضيه كل مرحلة.
3- التربية قضية الأمم الأولى التي تنفق عليها أموالا، وتؤهل لها رجالا ونساء؛ بل هي أم القضايا وما عداها فهو تابع لها، يصلح بصلاحها، ويصاب بالشلل متى أصيبت هي في مقتل من مقاتلها؛ بل هي الرهان الركن في بناء الإنسان الذي أنيطت به مسؤولية تعمير هذا الكون بما ينفع الناس في الدنيا والآخرة؛ إذ لا تكتمل عبوديته التي من أجلها خلق إلا بالوفاء بمقتضاها؛ فعلاقته بهذا الكون علاقة تسخير، ولكن علاقته بمن في هذا الكون علاقة عدل، والعدل قيمة من القيم الإنسانية الكبرى التي تعمل النظم التربوية على نشرها وتثبيتها وتحويلها إلى سلوك إنساني رفيع يتحقق به التعاون على الخير، وتجنيب البشرية كل مظاهر الشر.
الآفاق ومنهج المعالجة
لكي نكون أوفياء لأهداف هذا المحور وأبعاده التربوية والإنسانية، وحتى تكون الكتابات في الموضوع قاصدة ومتماسكة في بنائها وتسلسلها؛ فإن من المفيد تحديد إطارها العام من خلال الأسئلة الآتية:
1- ما مفهوم التربية في بعديها العام والخاص؟
2- بم تتميز التربية في معناها الخاص (في الإسلام)؟
3- ماهي الفلسفة التي تنطلق منها تربيتنا في الواقع؟ ولماذا ؟ وما هي النتائج؟
4- وهل تقوم الوكالات التربوية من: الأسرة والمدرسة والإعلام ومؤسسات المجتمع… فعلا بأدوارها التربوية؟
5- هل نعاني – فعلا – من أزمة تربوية حقيقية؟
أ – ما أسبابها الذاتية، والمباشرة إذن؟
ب – كيف هي مظاهرها في مجالات الحياة: الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والأخلاقية والحضارية ؟
هذا بالإضافة إلى إنجاز دراسات ميدانية خاصة بالطفل وعرض نتائجها من مثل:
1. المشكلات السلوكية عند الأطفال وعلاقتها بمنظومة القيم ( في البيت أو المدرسة أو المجتمع ) دراسة حالة.
2. المشكلات التعليمية عند الطفل ( في المدرسة في مرحلة عمرية معينة)
3. التسليع التربوي بدل بناء الإنسان الصالح.
4. السلطوية في تربية الأبناء:
أ- في البيت (سلطوية الأبوين– سلطوية الإخوة الكبار…)
ب- في المدرسة (سلطوية في الطرق المعتمدة في التدريس– في البرامج– في التقويم والامتحانات…)
ج – في المجتمع (سلطوية في مختلف المواقع)
انفتاح وتقاسم
وهناك ظواهر متعددة تحتاج إلى الدراسة، ومظاهر كثيرة للأزمة التربوية تحتاج إلى مناقشة وقراءة واعية وفاحصة، وتبادل وجهات نظر حولها بهدف التقويم والاستثمار في الاتجاه الذي يخدم أمتنا الإسلامية.
وللإسهام في مواجهة الإشكالات التربوية القائمة، وإثراء النقاش حولها، وتنوير الرأي العام بمكامن الخلل في أساليبنا التربوية التي أدت إلى إعادة نفس الإنتاج المشوه، والمحافظة على ذات النماذج التربوية الرديئة؛ فإن جميع المهتمين والغيورين على أبنائنا وأمتنا مدعوون للكتابة في هذا الموضوع التربوي الهام في فرع من فروعه وإرساله إلى جريدة الميثاق عن طريق البريد الإلكتروني الخاص بها، ولكم من الجريدة الشكر الجزيل، ومن الله الجزاء الأوفى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المقال السابق
لا توجد مقالات
المقال التالي
تربية الأبناء وأزمة التربية 1/2
-
أجل بنونا أكبادنا
لا أحد يتكلم على الموضوع بالمعنى الذي تكلم به الأستاذ، إذ نرى اليوم أن الحنان والتربية غلبت عليهم المادة وليس المعنى الروحي.
نشكر الأستاذ على هذا الطرح، وننتظرمنه المزيد من العطاء. -
اكتشفت لأول مرة جريدة ميثاق الرابطة وموقع الرابطة المحمدية للعلماء، وكنت بصدد تقديم العون لابنتي في واجب من واجباتها المدرسية يتعلق بالتربية وما شابه، والله يشهد كم كان فرحي وسروري كبيرا بأن يكون لدينا موقع مغربي بهذا المستوى.
أنصح فلذات أكبادنا بارتياده؛ لأن فيه تأطيرا فكريا متينا يقي أبنائي، ومعذرة للقائمين على الموقع والقراء على هذه الأنانية التي تحسها كل أم ويحسها كل أب تجاه أبنائه؛ لأن الإنترنت الآن وبالخصوص في المجالات ذات الصلة بالدين خطيرة كل الخطر لا مجال للتفصيل فيه الآن..
فهنيئا للرابطة بهذا الموقع فقد أصبح مصدر معلوماتي الدينية والفكرية، إلا أنني أريد أن ألفت نظر القائمين على هذا العمل الجبار أنه تنقصه الدعاية الكافية من خلال الجرائد والإذاعة والتلفزة…
فكيف يا ترى نريد حماية مجتمعنا وتحصينه ونحن عن اجتهاد علمي كبير في هذا الحجم غافلون، لا علم لنا به.
وجازاكم الله عنا وعن سائر المغاربة والمسلمين كل خير
وشكرا للأستاذ الأصبحي عن إثارته لهذا الموضوع المهم -
بسم الله الرحمن الرحيم
كلما كبرت النفوس، إلا وتاقت إلى إتعاب الأجسام لتحقيق المطامح والغايات… وإن موضوع التربية والتعليم، موضوع ذا أهمية كبرى يهم كل إنسان في هذا الوجود كي يؤدي الدور المنوط به والذي من أجله خلق والذي بينه الله تعالى بقوله سبحانه: {…إني جاعل في الأرض خليفة..} فإذا صلحت تربيته وتعليمه كان إنسانا صالحا مصلحا في أحسن تقويم، وإلا عاش فاسدا مفسدا أسفل سافلين.
• وتبدأ تربية المرء قبل أن يولد، بتربية للتأسيس قبل البناء لأسرة تجعل من الطفل المقبل على المدرسة وعاءا قابلا للتفاعل مع ما هو مؤهل لإتقانه والإبداع فيه ….
وقدر المرء ما كان يحسنه *** والجاهلون لأهل العلم أعداء
ففز بعلم تعش حيا به أبدا *** الناس موتى وأهل العلم أحياءدون أن نهمل جانب التكوين لقدوة هذا الطفل [الأمانة] بمن يعلمه ويربيه، وأول ما ينبغي التركيز عليه:
اختيار الكفء، والمتعلم، والقادر على أن يحقق القدوة في أدائه التربوي والتعليمي؛
صرامة اختيار المقبلين على مهنة التدريس [التربية والتعليم] بجميع أطواره؛
تحديد عدد المتمدرسين داخل الحجرات المناسبة، وأن لا تكتظ الأقسام بما لا يحقق لا [تعليما] ولا [تربية]؛
استغلال جميع أوقات الأبناء الذين تزدحم بهم واجهات مدارسنا بأنشطة موازية تعود عليهم بتراكمات للتجارب الحياتية وترك جميع المبررات لتحقيق ذلك؛إذا كنت تؤذى بحر الصيف **** ويبس الخريف وبرد الشتا
ويلهيك حسن زمان الربيع **** فأخدك للعلم قل لي متى؟ شكرا للمشرفين على [ميثاق الرابطة] والشكر موصول للأستاذ الأصبحي الذي اكتسب خبرة وتجربة، نرجو الله له التوفيق والسداد حتى تنتفع منه أجيال اليوم لتحقيق آمل الغد الرغيد.
والسلام عليكم ورحمة الله -
يظهر لى من خلال قرائتى لموضوع زميلي على الأصبحي، أن هذا الرافد الجديد أضاف نقلة نوعية لهذه الجريدة الغراء؛ خصوصا وأنه قد طرح عدة إشكالات في ميدان تربية الأولاد، ولا غرو في ذلك فهو ذو تجربة طويلة في مسار التربية، وبهذه المناسبة أدعوه إلى تتبع ما يكتب في هذا الرافد الجديد، وذلك باغنائه بملاحظاته القيمة انطلاقا من تجاربه الطويلة.
-
بسم الله الرحمان الرحيم
شكرا لفضيلة الأستاذ علي الأصبحي لإثارته هذا الموضوع القيم؛
صحيح أن قضية التربية بصفة عامة وتربية الأبناء بصفة خاصة أمر يعد من أولويات إعداد الأجيال القادمة، ومن شروط النهوض الحضاري للأمة،
فبالتربية نحقق تنمية لأمتنا في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية وغيرها، لأننا بالتربية نغرس بذور القيم في ناشئتنا، ومن تم في أجيالنا القادمة، لتصحيح مسار التربية اليوم، يجب علينا أن نصحح المنطلق أولا، بأن نعود إلى قيمنا ومبادئنا الإسلامية، فهي كفيلة بتصحيح المسار نحو السبل السليم للتربية، لبناء الفرد والمجتمع.
. -
بسم الله الرحمن الرحيم
"بنونا أكبادنا"
إن معالجة هذا الموضوع في الأصل من طرف جريدتكم، لهو من دواعي سرورنا، ونشكر في أول الأمر الأستاذ الأصبحي، الذي طرح هذا الموضوع البالغ في الأهمية، وكذا الطاقم المسؤول على الجريدة.
-
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام عليك أيها الأب والأستاذ؛
لقد عالجتم اليوم موضوعا في غاية الأهمية؛
وإنكم بمعالجته اقتحمتم بابا كاد البعض أن يقفله، بما طغى في عصرنا من نسيان هذا الجيل الذي بات أن يغرق في متطلبات عصره ألا محدودة…
التعليقات