Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

التعليم العتيق ببادية الشمال من خلال الكتاتيب والمساجد والزوايا

كانت الفلسفة التعليمية في هذه المراكز التعليمية المنتشرة في المساجد وغيرها من المدارس والزوايا تعتمد على:

1. حرية التمدرس: فلا فرق بين المتعلم في المدارس العلمية العتيقة، بين أن يكون طفلا أو شابا، فللمتعلم أن يختار الوقت الذي يناسبه للتعلم، والسن التي تسمح له ظروفه بالأخذ فيه، كما أن توقفه عن الدراسة أو استمراره فيها متوقفان على ظروفه الخاصة وحالته المادية والمعنوية، إلا أن الفقهاء المدرسين كانوا يفضلون التبكير بالعملية التعليمية انطلاقا من الحكمة المشهورة: “التعلم في الصغر كالنقش على الحجر“؛

2. ربط المدرسة بالمسجد: لما في ذلك من ربط بين التعليم والدين، وارتباط بالصلاة في وقتها، وأيمان بالدور الذي يقوم به المسجد في الحياة الدينية، والاجتماعية، والثقافية، كما تجعل الطالب زيادة على ذلك يرتبط بقراءة الحزب مع الجماعة مرتين في اليوم ليحافظ على الحفظ وليتدرب على القراءة الصحيحة للقرآن؛

3. إشراف القبيلة على تعيين الفقيه المدرس: ويتم اختياره من بين أفقه القوم وأعلمهم، وممن يتميزون بعد العلم بحسن السيرة والسلوك حتى يكون قدوة للأولاد وفي محل ثقة الآباء؛ فالفقيه المعلم الذي يتفرغ لتربية وتعليم الأطفال يجب أن يكون حافظا للقرآن رسما وضبطا وتجويدا، ويختار من بين مجموعة من الحفاظ الذين اشتهروا بالرحلة في طلب هذه المهارات العلمية ويتعدد الشيوخ الذين أخذ عنهم ويختار أيضا لسمته ووقاره والتزامه بتعاليم الدين، وحفاظه على أداء الصلاة في الجماعة، وتميزه بالأخلاق الفاضلة والذكر الطيب حتى يكون قدوة لأولئك الصغار الذين يستعملون على يديه ويسيرون على نهجه وسيره، أما الفقيه العالم الذي يجمع بين تحفيظ القرآن الكريم وتدريس العلوم أو الأوراق كما اصطلح على ذلك، فعادة ما يكون كبير السن، مقدما في قومه يلجؤون إليه للفتوى والاستشارة، فهو بالإضافة إلى حفظه للقرآن الكريم وتفننه في علومه يتقن علوما أخرى كالحديث، والفقه، والأصول، واللغة، والبيان، رحل في طلب العلم ونال منه الحظ الوافر والجلسات العلمية التي يعقدها هذا الفقيه العالم قد لا تقتصر على الطلبة بل يحضرها كل من رام الفائدة، وطلب المعرفة لأمور دينه، وقد يخصص هذا الفقيه دروسا وعظية لعموم الناس، يشرح فيها ما يتعلق بعموم العبادات والمعاملات؛

4. تحتوي المدرسة القرآنية على عدة مستويات تفي حجرة واحدة: وهذا أسلوب في التدريس والتعليم عجزت عنه المدرسة الحديثة؛ فالطلبة في المدرسة القرآنية يتفاوتون في الحجرة الواحدة في الأعمار، والمستويات، مع ذلك يدرسون ويتابعون تحت إشراف فقيه واحد، فنجد مجموعة في مرحلة النهجي، وأخرى في مرحلة في مرحلة الإملاء والتعلم، وأخرى تجاوزت هذه المراحل وانتقلت إلى حفظ المتون العلمية بعد تجاوزها كل المراحل السابقة، والكل في نظام محكم بديع، والفقيه على بصيرة من كل واحد يسمع لهم قراءة الألواح يوميا وقراءة الأسوار بالتناوب؛

5. للفقيه الحق والحرية التامة في أن ينتقل بالتلميذ من مرحلة إلى أخرى: ويتم ذلك حسب تقديره وما يلمس فيه من فطنة وذكاء، والقدرة على الاستيعاب والحفظ والتتبع، فلا ينتظر انتهاء سنة ولا فصل بل يتصرف وفق ما يلاحظه ويبدوا له.

  على هذه الأُسس ووفق هذا المنهج كان التعليم ولا يزال قائما في هذه القرى والمداشر، وبهذه الطريقة درس علماء كبار لازال الناس يلهجون بذكرهم ويستفيدون من علمهم، منهم من قضى نحبه ومنهم من لا يزال قائما يعلم الصغار، ويرشد الكبار فرحم الله من اختاره إلى جواره، وأطال في عمره من لازال قائما يجاهد بعلمه ويقاوم كل وسائل التضليل والانحراف التي أضحت تغزوا البادية المغربية فتنسيها أصولها وتاريخها وأمجادها وتحاول أن تطمس هوية أبنائها العربية الإسلامية، فلن تخلد أمجاد هذه المناطق إلا بأصالتها ولن تبني مستقبلها، إلا بالحفاظ على ماضيها وتراثها والانطلاق من تجربة الآباء من أجل تنوير طريق الأبناء.

أرسل تعليق