Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

تعليق واحد

الأسرة المسلمة قاطرة إسلامية إنسانية

من الناس من يقول: أنه في استطاعة الأسرة أن تنفع بالأكثر إن بنت نشاطها وربطته بقوم اتصلوا بالعلم نشأة ومهنة وطيب مزاج، وهي تضع في حسبانها أن أصدقاء اليوم قد يكونون في غد أعداء، وإن أعداء اليوم قد يصبحون في الغد أصدقاء؛ لأنها تنتمي إلى دين الإسلام الذي يرفع الحواجز بين الشعوب ليجعلها أمة واحدة، وعلى هذا فعطاء الإسلام لا يفنى لذلك فعلى الأسرة المسلمة أن تنتقل من مشية السلحفاة إلى ركض وعدو الحصان، فتتقدم بالتنمية ركضا وقفزا لا تمهلا وبطءً، إننا مقبلون في الغد القريب على مرحلة جديدة، تستحث العقل على إجادة التفكير في العسير من أمورنا، وبما هو ضروري لمواجهة المستقبل بتنمية متسارعة، ولا نسيء الظن بالله تعالى وعنايته وتوفيقه؛ لأنه يقول سبحانه: “إِنَّهُ لاً يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ” [يوسف، 87].

والعيب الذي يجب أن تزيحه الأسرة لتبعده عن طريقها هو اعتيادها التحرك في المطلق، إذ بهذا المطلق عاشت الأمة قرونها الأخيرة خارج دائرة الزمن.. لا تعرف له قياسا ولا تقيم له حسابا، فعليها أن تستنهض الزمن الميت بتنمية متسارعة، لتسبح مع السابحين في القرن الواحد والعشرين، فهذه أحداثه بما فيها من عظات وعبر، تعطي أمتنا إشارة حمراء تحذرها من عاقبة التواكل المهين، والترف المقيت.. فالانغماس في الترف وإشباع مطالب الجسد بالشهوات من العوامل الكبرى التي أدت إلى الانتكاس والتأخر والسقوط، وبغياب العقل الواعي وشيوع القدوة الفاسدة تكريس للوضع الكالح في نفوس الأجيال بما نراه اليوم من تناحر يحرق مقدرات الأمة ويطحن أجيالها، ويمحو أثرها، فتهوي من عليائها وكرامتها واستعلائها إلى أن تكون راكعة أمام ناس كانوا بالأمس أقزاما، ويرحم الله الشاعر وهو يقول:

كل المصـائب تمــر على الفتى            وتهــون غير شماتــــة الأعــداء

والطريق الأصوب لكل أسرة مسلمة البحث عن الأخوة الراشدة، والرفقة الطيبة الطاهرة، ذلك لأن الأخوة الراشدة والرفقة الطيبة، إن لم تأخذ بيدها إلى الرقي؛ فإنها لن تتسفل بها أو تتدنى، والأسرة في الفضائل في دنيا الناس بين الضآلة والشموخ، وإذا سما صرح الشموخ حققنا ما ننشده في واقع البشر، ليسعد البشر كما أراد خالق البشر، وأرحنا صدور الجميع وأثلجناها، فيكون الثواب يوم لقاء الله مضاعفا، قال تعالى: “يَاأَيُّهَا الَذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُوتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ” [الحديد، 27].

وإن علاقة الأسرة المسلمة بالله عز وجل تتجلى في الانقياد والإذعان والاستسلام بلا اعتراض، وهل هناك تعاسة أكبر للذين غرقوا في بحور الشهوات والملذات الحرام والأهواء، وما شاع في ساحتهم من التمزق والانحلال والاكتئاب، وهم بذلك باعوا السعادة بالشقاء؛ لأنهم أغلقوا قلوبهم عن نداء الله بل وأوصدوها، قال تعالى: “مَن كَانَ عَدواً لله ومَلائكته وَرُسُلِهِ وجِبْريلَ وَمِكَائيل فَإِنَّ الله عَدوٌّ لِلكَافرينَ” [البقرة، 97].

وهل آن الأوان لكي تسترد الأسرة المسلمة دورها الذي افتقده المجتمع الإنساني طويلا، لقد أدى غياب هذا الدور إلى ما ينذر بأخطار عميقة، لقد وقع المحظور، والإنسانية تشاهد العالم بلا أمن مع الحذر المرتاب والحرص المذل؛ لأنه في القريب العاجل سيعرف الناس عذابات حين يباح الكلام، ويظهر موقف العقلاء المساعد على تخفيف حدة التوتر، ببرامج ذات قيمة تعلو عن سفاسف الترفيه السطحي، وكل ما هو تافه، إلى آفاق يمكن أن تعمق مفاهيم التعارف الإنساني، والعاقل من اتعظ بغيره إن لم يكن بنفسه، والأفارقة يقولون: “إن الفيل لا ينسى شيئا”، نحن بحاجة لأن نعيد النظر في حوارنا مع الآخر، إذا أردنا للتواصل الإنساني أن يتصل ويثمر، يجب أن ندقق في خطابنا الفاقد القدرة على التعبير، فضلا عن التواصل والتوصيل، الأمر الذي أفسد علينا وظيفتنا ورسالتنا، وخير للأمة أن تعلم أن الرجال يعرفون بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال، فالمهم أن يعلم هذا العالم الإنساني الحائر، الذي يريد أن يعيش في ظلال الأمن والاستقرار، أن الإسلام جاء ليحقق الإنسان خلافته في عمارة الأرض ونشر العدالة والأمن والسلامة فيها قال تعالى: “اَلذين ءَامَنُوا وَتَطْمَئِنُ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُ القُلُوبُ” [الرعد، 29].

وتحتاج الأسر وهي تعيد بناء الحياة للإنسانية إلى تحديدات معينة، تتناول جوانب الحياة كلها، لتكوين الإنسان المتوازن القادر على تحمل مسؤولية التكليف، كمرحلة يقطعها ليصل إلى الحياة النظيفة الطاهرة، ولقد شهدت الإنسانية أُسراً ومجتمعات نماذج من العمران، لكنها ذهبت مع الأمس الغابر الدابر، فلم يبق لها من الحاضر وجود، وكانت في إبانها أزهى وأجمل، تضافرت على بنائها شعوب مختلفة الألوان والأجناس والألسنة يقود الجميع قوة الروح المرتبط بالملإ الأعلى، وقوة المال وقوة العلم والأخلاق، إنه العمران الإسلامي ذي الحضارة الفذة، وكان طريقها الطريق الأمثل الذي عبده الأنبياء عليهم السلام كمقياس للتقدم الإنساني وأثبته، قال تعالى: “قُتِلَ الإنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ” [عبس، 17].

وإذا كان ما يحيط بالأسر من أسباب العيش والحياة من صنع الله عز وجل؛ فلماذا يحيد البشر عن التربية والتزكية والتقويم وهي من صنعه سبحانه؟ هل يستنشق الناس هواء أو يشربون ماء أو يتناولون غذاء أو يرتدون ملابس أوجدتها أو خلقتها يد البشر؟ فكل ذلك من صنع البارئ الحكيم؛ فإذا فسد الهواء وضاق العيش واختلت مقاييس النفس تعرضت الإنسانية للبلايا قال تعالى: “وَمَنْ اَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى” [طه، 122].

وصياغة الإنسان الفرد تمهيد لصياغة مجتمع متكامل راشد، لا ينحرف بصير بالأمور، والارتفاع بها إلى أسمى القيم وأعظم الرتب برسالة وافية خالدة..

وثمرة كل جهد تقوم به الأسرة لتحسين ظروف حياتها، سواء أكان هذا الجهد المبذول للبلوغ إلى تلك الثمرة مقصودا أم غير مقصود، وهذه الثمرات تحتاج إلى زمن لكي تطلع أي أنها جزء من تاريخ الأسر أو نتاج هامشي لهذا التاريخ، وكما أن ثمر الزرع والأشجار لا يتحقق إلا بفعل الزمن، والثمار لا تظهر إلا بإضافة جهد الإنسان إلى الزمن، وثمرات التقدم البشري لا تعني أن نتجاهل التأثير المتبادل بين ما هو مادي وروحي في الحياة، فالمادي يمد الإنسانية بوسائل التفوق على الطبيعة وتذليلها لإرادة الإنسان ومشيئته، والروحي يمد البشرية بأسباب اليقين النفسي ودوافع السكينة والاطمئنان الروحي.

والإنسانية اليوم تشكو فراغا روحيا لأنها في ضياع، ولعلها تفتش عن ملجأ يقيها سموم رياح الإلحاد الحارقة، فلا تجده إلا في كنف الأسر المسلمة الفاقهة الفاهمة للإسلام، وتجيد لغات واحتياجات الذين تتحدث إليهم بمنهج سليم، يقدم سماحة الإسلام ومثله وقيمه وعدله، ورجائي من كل أسرة أن تواصل عملها في الحياة، مهما يصادفها من صعاب، ومهما تلقاه من عنت الغير معها، وعليها بالتأني في أعمالها بصبر “أيوب” في انتظار جني النتائج الطيبة، فلا تتعجل قطف الثمار قبل ينعها ونضجها، وعلى كل فرد من أفراد الأسرة مهما تألق نجمه وسما في الوجود سعده، أن يتواضع ويعترف بالتقصير والعجز، حتى لا يدع للغرور أن يطرق بابه؛ لأن الغرور كما يقول محمود تيمور رحمه الله: “جلاد عتي يطيح بالرؤوس المحلاة بأكاليل الغار في قسوة وعنف”.

ومن امتلأ قلبه بحب الناس والحياة، سيظل ينير بمشاعله سبل الإنسانية بالإيمان العميق، ويعترف لكل صاحب فضل بفضله ولكل صاحب عطاء حضاري وإنساني بعطائه شرقيا كان أم غربيا؛ لأنه الإرث الإنساني المشترك أخذ منه أسلافنا الكرام يوم أسسوا للدنيا حضارة ثم أعطوا لغيرهم يوم أثمرت حضارتهم التي جعلتهم قادة الدنيا بلا منازع، واليوم علينا أن نأخذ من جديد بالاختيار والغربلة، حتى نحافظ على دورنا مميزا لإنسانيتنا في عالم عاصف تتلاطم فيه الأمواج، ليكون ذلك الجسر الذي يسعى بسير حثيث نحو المستقبل، والمفتاح لقاطرة إسلامية إنسانية على طريق طويل لا مكان فيه للهو والعبث والصدفة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

التعليقات

  1. سامي عدنان

    جزاكِ الله خيراً عن هذا الطرح القيم المبارك إن شاء الله .

أرسل تعليق