Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

ابن القطان – المشيخة (50)

هذا هو الجزء الخمسون من هذه المقالات عن ابن القطان، وهو تتميم لما سبق من الكلام عن مشيخته. وتلك سلسلة أعرض فيها من وقفت له منهم على رواية جملة من دواوين العلم، أو ذُكر له شيء من التآليف فيه، ومن جملة أغراضي من ذلك: استعمالُه بعد الفراغ من جمعه في مناقشة كلام قيل عن ابن القطان، من كونه أخذ الحديث مطالعة. ولست ألتزم هنا بنسق معين في عرض هذه المشيخة، وإنما أجلب منهم من آنَسُ من نفسي أني استفرغت وسعا في جمع مادة ترجمته.

أبو يحيى المواق: أبو بكر بن خلف الأنصاري  القرطبي الفاسي

(ت 599هـ)

[القسم الرابع]

ذكرت في المقال السابق أنه وقعت لبعض الفضلاء أوهام في أسامي الآخذين عن أبي بكر المواق، نظير الوَهَم الذي وقع له في شيوخه، وسبق التنبيه عليه، وكنت قد وعدت بأنني سأخص كل وهم حصل في أسامي الآخذين عن أبي بكر المواق بتنبيه. ومجموعها أربع، وسأفرد –إن شاء الله تعالى- لكل تنبيه قسما خاصا به من أقسام هذا المقال.

التنبيه الأول:

أدخل الدكتور محمد خرشافي في الترجمة التي صنعها لأبي عبد الله ابن المواق صاحب بغية النقاد في جملة شيوخه: والده أبا بكر المواق مُتَرْجَمَنا وبه بدأ، وقال ما نصه: “المبحث الثالث: شيوخ أبي عبد الله بن المواق:

أبوه أبو بكر بن خلف الأنصاري: نشأ أبو عبد الله ابن المواق في حضن والده بمراكش، فدرس على يد والده، وأخذ ما عنده من العلم، من لغة، وفقه، ومسائل، وحديث، وتفسير” انتهى كلام الدكتور محمد خرشافي بنصه[1] ثم أحال في الهامش على قوله الذي نصه: “وقد تقدم قريبا ذكر ما حظي به أبو بكر بن خلف من مكانة علمية في عصره. انظر بالإضافة إلى ما تقدم: جذوة الاقتباس، القسم الأول ص: 106 رقم الترجمة: 27، وسلوة الأنفاس 1/224”[2]

وهذا الذي ذكره الدكتور محمد خرشافي لم أَعْثر عليه منصوصا في مصادر ترجمة الأب، والابن معا التي تيسر لي الوقوف عليها، كما أن الدكتور خرشافي نفسه لم يَعْزُ ما ذكره من أَخْذِ أبي عبد الله ابن المواق عن أبيه إلى مصدر، وهو دال على أنه لم يجده بعد استنفاذ الجهد في البحث، فالظاهر أن دخل فيه من  باب تغليب الظن، وسلك فيه مسلك العادة الجارية، إذ قد جرت بأخذ الإبن عن أبيه العالم، بل وحِرص هذا الأخير على تعليمه، كما هو الغالب على حال الأسر العلمية.

وأنا وإن كنت أميل أيضا إلى هذا أميل، وإن لم أجد له في كتب التراجم نصا يصرح به، خصوصا أن أبا عبد الله ابن المواق أدرك من حياة أبيه ست عشرة سنة إذ مولده كان سنة 583 ووفاة أبيه كانت سنة 599، ومثل هذا العمر يُمَكِّنُ من أَخْذٍ ما، إلا أن كلام الدكتور خرشافي فيه تفاصيل كثيرة عن محتوى هذا الأخذ وعن مكانه، لا يمكن أن يستعمل فيها الحدس، ويتكأ فيها على غالب الظن، وجاري العادة، وإنما يرجع فيها إلى النصوص المصرحة بذلك.

3وبيان هذا: أن ما ذكره عن أخذ ابن المواق عن أبيه  بمراكش لم أقف له على مستند، بل لم أقف على أن الإمام المواق سكن مراكش في برهة من حياته، ولأجله لم يذكره العلامة التعارجي بترجمة مفردة في كتاب “الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام“، لأنه لم يثبت عنده ذلك، فلست أدري من أين أخذ الدكتور محمد خرشافي ما ذكره من نشأة أبي عبد الله ابن المواق في حضن والده بمراكش.

 نعم الابن مراكشي، لكن مراكشيته حادثة، قال ابن عبد الملك في ترجمته: “مراكشي، قرطبي الأصل قديما، فاسيه حديثا.”[3]، وهذا نص صريح في نُقْلَتِه من فاس إلى مراكش، كما أن النص على “حداثة فاسية أصله” دالٌ على نسبة أبيه إلى فاس، وهذه النسبة المحققة هي مستند ابن القاضي في إدخاله في كتابه “جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس”، وظل الأب مقيما بفاس إلى أن مات، وقُبر بها، فكان ذلك أيضا مستند  الكتاني في إدخاله في كتابه “سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس“.

وأما تعيين الدكتور محمد خرشافي ما أخذه الابن عن أبيه مِن أصناف العلوم مِن “لغة، وفقه، ومسائل، وحديث، وتفسير[4] فلم يذكر له أيضا مستندا، وما أحسبه يوجد، وإنما ذكره على جهة الظن، وهو يُوجب عكس ذلك، إذ إن سن ابن المواق لا تسعف في الغالب بأخذه عن والده كل هذه الفنون.

وسأعود -إن شاء الله تعالى- إلى تنبيه مماثل في المقال المقبل.

يتبع في العدد المقبل..

———————————————

1. مقدمة تحقيق بغية النقاد النقلة، قسم الدراسة 170.

2. مقدمة تحقيق بغية النقاد النقلة، قسم الدراسة 170، الهامش رقم: 3

3. الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، س: 8/ق: 1/272.

4. مقدمة تحقيق بغية النقاد النقلة، قسم الدراسة 170.

أرسل تعليق