Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

تعليق واحد

أزمة الأخلاق

1. الشباب والأخلاق

عندما نتحدث عن الشباب؛ فإننا بدون شك نعني بذلك رجال ونساء المستقبل، حملة الأمانة، بناة الغد، المعول عليهم في حمل مشعل التقدم والسير بالأمة نحو الأمام حتى تلبس تاج الرفعة والعزة.

وعندما نتحدث عن الشباب؛ فإننا نعني أيضا الطاقة الخلاقة المبدعة المعطاءة، التي إذا ألفت من يوجهها ويرشدها ويرويها بماء طاهر نقي، أنبتت غرسا جميلا ظاهرا وباطنا.

والعكس صحيح طبعا إذا تركناها تقع فريسة سهلة في أيدي الذين يسخرون طموح واندفاع هذه الفئة في مآرب لا تعود عليها ولا على أمتها بالنفع، بل تصبح أداة لتخريب نفسها والأمة.

والمتأمل للحالة التي أصبح عليها شبابنا اليوم يلحظ تفسخا أخلاقيا كبيرا، يعبرون عنه بمجموعة من الممارسات اللاأخلاقية والسلوكات غير المسؤولة وغير الواعية، والتي هي ليست وليدة الصدفة أو الفطرة، بل هي نتاج ثلة من العوامل والمثيرات استهدفت هذه الفئة بالضبط باعتبارها تمر بمرحلة انتقالية حرجة من عمرها. فنظرا للتغيرات المختلفة التي يعرفها المراهق في شتى المجالات، يكون كفرس جموح، نافر، كاره لكل من يحاول أن يحد من حريته التي يعتبرها ملكيته الخاصة وليس لأحد الحق في المساس بها، وبالتالي يصبح عرضة لكل من هب ودب يشحن عقله بأفكار خاطئة، ويشجعه على سلوكيات فاسدة، عوض أن يجد من يروضه ويلين فكره بأسلوب تربوي سلس مقرون بصبر وطول بال، يجعل منه شابا طيعا، محبا، وألوفا.

ومن بين المثيرات الخارجية التي أجدها سببا رئيسيا ومركزيا، بالإضافة إلى أسباب أخرى لا تقل أهمية، الإعلام غير الهادف. هذا السلاح الفتاك الذي أطلق رصاصه فأصاب الهدف، فيروس خطير يهدد صحة وسلامة وثقافة الشباب، وأريد أن أشير هنا أنني عندما أتكلم عن الإعلام غير الهادف، فهذا لا ينفي وجود إعلام هادف يسهر عليه أناس نذروا أنفسهم لخدمة بلدهم، وفقهم الله وسدد خطاهم.

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه: كيف سينمي الشباب أذواقهم ويحسنوها، وكل ما يقدم لهم هجين ومستقبح؟! فمن حيث اللغة نجد اللغة العربية مصدر قوتنا وعزتنا-لسان أهل الجنة- لغة الوحي الذي أنزل على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، لغة القرآن، لغة الفصاحة والمتانة، ذهبت مهب الريح وولت، وحلت محلها اللهجة الدارجة، وأي دارجة؟! كأننا لا جذور لنا ولا أصل. ومن حيث المظهر الخارجي فهو بعيد كل البعد عن سمة الوقار والحشمة لكلا الجنسين، حيث غذت والميوعة بالنسبة للفتاة سمة التحضر والتمدن، أما الفتى، رجل الغد المعول عليه، فجوهره فارغ من صفات من قبيل المسؤولية والرجولة والفحولة. ومن حيث الموروث الثقافي، أخص بالذكر ظاهرة “المسلسلات المدبلجة” التي تحمل عادات وتقاليد غيرنا، نمت في تربة غير تربتنا، ورويت بماء ليس كمائنا، فلا عجب إذن أن تنتج محصولا غير صالح لغذاء روح وعقل شبابنا.

هذا، ويبقى التأثير الأكثر خطورة، هو المس بالقيم الدينية ومحاولة زعزعتها. فلكثرة ما اعتاد أبناؤنا مشاهدة المشاهدة الخليعة وبعض الممارسات غير المشروعة، أصبحت أمرا مألوفا عندهم ومن باب المسلمات التي إذا حاربناها نعتنا بالتخلف والرجعية: فالعلاقات الخارجة عن نطاق الزواج الشرعي أمر عادي، والخيانة الزوجية حرية شخصية، والتمرد على الآباء لم يعد منهي عنه فهم كلاسيكيون في أفكارهم ولا يسايرون متغيرات العصر، والأسرة المتماسكة المرصوصة البنيان تقليد متجاوز، والنفاق وسيلة حضارية للتقرب إلى من لنا فيهم مصلحة شخصية، وهلم جرا.

لقد استوقفني كلام جميل جاء على لسان الكاتب والمصلح الجزائري البشير الإبراهيمي من كتابه “آثار البشير الإبراهيمي” (ص: 163) يقول فيه: “أي شباب الإسلام، حملة الأمانة وبناة المستقبل وطلائع العهد الجديد، خذوها عني نصيحة فصيحة صريحة: إن علتكم التي أعيت جهابذة الأطباء، واستعصت على حكمة الحكماء، هي ضعف أخلاقكم ووهن عزائمكم، فداووا أخلاقكم بدرر القرآن تقو وتشتد..؛ فإن زعم زاعم أن الزمان غير الزمان، فقولوا: ولكن الإنسان هو الإنسان، وإن هذا الدين الذي وسع الحياة الأبدية فبينها حتى فهمها الناس واعتقدوها وسعوا في تحقيقها، فكيف لا يسع حياتكم؟!”.

أبناء أمتنا ينسلون من بين أيدينا شيئا فشيئا، والهوة تكبر بيننا وبينهم يوما بعد يوم، والحسرة تمزق أحشاءنا ألما وأسى على الحالة التي آلوا إليها. فهل من غيور؟!هل من منقذ؟!

التعليقات

  1. نوال

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الأخلاق الحسنة هي أعظم ما تعتز به الأمم وتمتاز عن غيرها، والأخلاق تعكس ثقافة الأمة وحضارتها، وبقدر ما تعلو أخلاق الأمة تعلو حضارتها وتلفت الأنظار لها ويتحير أعداؤها فيها، وبقدر ما تنحط أخلاقها وتضيع قيمها تنحط حضارتها وتذهب هيبتها بين الأمم، وكم سادت أمة ولو كانت كافرة وعلت على غيرها بتمسكها بمحاسن الأخلاق كالعدل وحفظ الحقوق وغيره، وكم ذلت أمة ولو كانت مسلمة وضاعت وقهرت بتضييعها لتلكم الأخلاق .
    أسباب الأزمة الأخلاقية :
    • ضعف التدين في نفوس المسلمين .
    • التصور الخاطئ لشرائع الإسلام و أحكامه وروحه.
    • غياب القدوة الصالحة في كثير من المجالات .
    • طغيان الجانب المادي و الإهتمامات الدنيوية في العلاقات والأعمال .
    • قلة البرامج التوعوية والأنشطة التي تعنى بالجانب الأخلاقي.
    • قلة التربية الخلقية في مناهج التعليم على كافة المستويات .
    • عدم سن أنظمة وقوانين تحافظ على المبادئ والقيم الأخلاقية العامة وتوقع العقوبات المناسبة على مرتكبي الجرائم الأخلاقية المتجددة .
    فإذا شاعت في المجتمع الأخلاق الحسنة من الصدق والأمانة والعدل والنصح أمن الناس وحفظت الحقوق وقويت أواصر المحبة بين أفراد المجتمع وقلت الرذيلة وزادت الفضيلة وقويت شوكة الإسلام، وإذا شاعت الأخلاق السيئة من الكذب والخيانة والظلم والغش فسد المجتمع واختل الأمن وضاعت الحقوق وانتشرت القطيعة بين أفراد المجتمع وضعفت الشريعة في نفوس أهلها وانقلبت الموازين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (سيأتي على الناس سنوات خداعة؛ يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: ومن الرويبضة يا رسول الله؟! قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة) رواه أحمد.
    ولا شك أن هذه الأمة كالغيث لا ينقطع خيرها وفيها خير كثير، ولا ينبغي لأحد أن يحكم على الأمة جمعاء بفقدها الخلق الحسن أو الفساد أو نحو ذلك من الأحكام الجائرة التي تشعر باليأس والإحباط والقنوط , وليس هذا سبيل المؤمن المتبصر في دينه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم ) رواه مسلم. وإنما المؤمن ينبه على الأخطاء ويعالجها ويحسن الظن بربه ولا يقطع الرجاء به , و يتفاءل في نظراته والمقصود هنا هو لفت النظر إلى هذه الظاهرة السيئة ( أزمة الأخلاق) والله من وراء القصد وصلى الله وسلم على نبينا محمد واله وصحبه أجمعين .

أرسل تعليق