Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

أحمد بناصر الدرعي

في سياق التعريف ببعض علماء البادية المغربية، وسعيا إلى إبراز إسهام المناطق البعيدة عن المراكز الحضرية الكبرى في بناء التاريخ العلمي والحضاري للمغرب، آثرت في هذه الحلقة أن أعود إلى زاوية تامكروت المباركة للوقوف على شخصية رائد من رواد العلم والصلاح مغربا ومشرقا، يتعلق الأمر بالإمام الفاضل سيدي أحمد بناصر الدرعي..

وقد سبق لي في حلقة سابقة “عدد 89 من ميثاق الرابطة” أن عرفت بوالده العلامة الكبير سيدي محمد بناصر الدرعي وقلت أنه “لا خلاف حول أن سيدي محمد بناصر الدرعي يعتبر من الشخصيات الأكثر تأثيرا في مسار التصوف المغربي، والثقافة المغربية بشكل عام؛ فلقد أسس هذا الرجل الفاضل مدرسة في العلم والصلاح وصل إشعاعها إلى كل جهات المغرب الكبير منطلقا من زاويته الشهيرة بتامكروت التي بلغ صداها المشرق العربي أيضا. ولعل من مميزات طريقة الشيخ محمد بن ناصر الدرعي هي الجمع القصدي بين العلم والعمل، ونشر قيم الصلاح والفضيلة بحثا عن القيم التي ترتقي بالإنسان”، والحق أن أحد ثمار هذه الزاوية المباركة كان هو سيدي أحمد بناصر خليفة أبيه على زاوية تامكروت..

ولد أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن ناصر الدرعي منتصف ليلة الخميس الثامن عشر من رمضان عام (1057هـ)، كما وُجد بخطّ والده. أخذ سيدي أحمد بناصر عن والده علم التفسير والحديث والنحو والأصول، وهو عمدته وأول شيوخه، كما أخذ عن أقطاب العلم بالمغرب مثل الإمام العلامة الرَّحالة أبو سالم عبد الله العياشي (تـ 1090هـ)، سمع منه صحيح البخاري، وأجازه فيه وفي غيره، والفقيه أبو العباس أحمد الملقب أحُزي الجزولي التملي، دفين تمكروت (تـ 1127هـ)، والشيخ المقرئ أبو عبد الله محمد بن فَتُوح التلمساني مولدا، الدرعي دارا (تـ 1112هـ)، وقد زوّجه سيدي محمد بناصر الدرعي ابنته السيدة الفاضلة أم كلثوم، وهو من اصطحبه إلى درعة..

حجّ سيدي أحمد بناصر أربع مرات لقي فيها كثيرا من علماء المشرق وأجازوه، ومن أبرز هؤلاء نذكر الإمام عبد الله بن سالم بن محمد بن سالم البصري، والإمام المُلاَّ إبراهيم بن حسن الكردي الكوراني الشهرزوري (تـ 1102هـ) نزيل مكة المكرمة (تـ 1134هـ)، وأبو الحسن علي بن محمد الزعتري المصري، والعز ابن أحمد العجمي، أخذ عنه التوقيت والفرائض، وغيرهم ممن ذكرهم في رحلته المسماة بالرحلة الناصرية..

لقد اجتمعت في سيدي أحمد بناصر الدرعي كل مقومات التألق والقيادة الفكرية، فبعدما حصل من أمهات العلوم في عصره حظا وافر، وأصبح عارفا بأسرار التفسير، والحديث، والفقه، والأصول، واللغة، والتاريخ، والتوقيت، والتعديل، أضحى من أعلام المغرب الكبار، وأصبح مقصدا لطلاب العلم والفكر المستنير؛ وكان الطلبة المتوجهين إليه يدركون أن رجلا من طينة أحمد بناصر جمع علم المغرب والمشرق وصقلت موهبته وشخصيته بالرحلة، ثم هو قبل هذا وذاك وريث العلامة الوالد سيدي محمد بناصر، لا يمكن لمجلسه إلا أن يكون مدرسة علمية وتربوية وإنسانية، من دخلها وذاق من أسرارها فقد أوتي خيرا كثيرا، وهذا سر من أسرار زاوية تامكروت المباركة..

من تلاميذ سيدي أحمد بناصر الدرعي نذكر ابنا أخيه: سيدي موسى بن محمد الكبير بن محمد ابن ناصر، وكان ملازما له في الحضر والسفر، وهو الذي خلفه بعد وفاته (تـ 1142هـ)، والفقيه أبو المحاسن يوسف بن محمد الكبير بن محمد ابن ناصر الدرعي (تـ 1197هـ)، وأحمد بن محمد بن محمد العباسي السملالي (تـ1152 هـ)، والفقيه أحمد بن يوسف الوُلْتي، والعالم أبو بكر بن علي التيزختي (تـ 1179هـ)، صحبه مدة طويلة، والعالم النحوي العروضي أحمد بن عبد الله الصوابي السوسي (تـ 1149هـ)، والعالم أبو محمد الحسين بن شرحبيل البوسعيدي الدرعي (تـ 1142هـ)، وكان مصاحبا لشيخه في بعض رحلاته مشاركا له في شيوخه، والشيخ المعطي بن صالح الشرقي، أحد أقطاب زاوية أبي الجعد (تـ 1180هـ).. ومما يذكر في هذا السياق أن سيدي أحمد بناصر بارك الله في عمره وعلمه حتى ألحق الأحفاد بالأجداد، وهذا ما يشهد به قول الإمام الحضيكي في طبقاته: “شيخي وشيخ أبي وشيخ جدي”..

قال فيه شيخه عبد الله بن سالم البصري في إجازته له وللعلامة الحسين البوسعيدي: “.. العلامة والقدوة الكامل الفهامة مولانا الشيخ سيدي أحمد بن مولانا شيخ الإسلام محمد بن ناصر الدرعي“، وقال فيه الإفراني: “كان رحمه الله إمام وقته علماً وعملاً، قوالا للحقّ، شديد الشكيمة على أهل البدع (..) متصاوناً مقبلا على ما يعينه، متابعا للسّنَّة في أقواله وأفعاله“، وقال فيه الإمام الحضيكي: “الشيخ الإمام الكبير السَّني الأروع، الأزهد الصوفي المحقق الأكمل الأفضل، الجامع بين الشريعة والحقيقة، بحر العلم والكرم، شيخ الطوائف ومربي المريدين وناصح الإسلام“..

كان سيدي أحمد بناصر الدرعي لا يفتر عن التعليم، وكان عاشقا لاقتناء الكتب والتنقيب عليها، ومن فضائله الكبرى تشييده لمدرسة علمية بلغ عدد طلبتها ما يناهز ألفا وأربعمائة من المنقطعين للتحصيل العلمي، وقد جهزها بكل مستلزمات الحياة العلمية بفضل من الله، وأنشأ سيدي أحمد بناصر خزانة نفيسة زودها بأمهات الكتب والمصادر في مختلف الفنون المفيدة، واستفاد من علاقاته ورحلاته لجلب الكتب من بلاد المغرب والمشرق، وبذلك تحولت تامكروت إلى قبلة للعلماء وذوي الهمم العالية..

خلف سيدي أحمد بناصر مجموعة من التآليف، فمن أهم ما ألفه “رحلته الحجازية“، دون فيها انطباعاته عن رحلته الحجازية، الثالثة عام 1121هـ، وقد نشرت هذه الرحلة في المطبعة الحجرية بفاس في سفر يشتمل على جزأين، وتعرف بالرحلة الناصرية أيضا؛ وقد استرجع فيها كثيرا من فوائد الرحلة العياشية لأبي سالم العياشي، أستاذه وتلميذ والده..

 ولأحمد بناصر “فهرسة“، و “أجوبة فقهية“، و “الرحلة الشامية“، وهي رحلة أخيه محمد بن محمد ابن ناصر، وله “كلام في الطريقة وحضّ على إتباع السُّنّة”، وله أيضا “تجديد المراسم البالية في السيرة الحسنة العالية“، وهو كراس في السيرة النبوية، و “رسالة في الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام“، و “إشفاء المريض في بساط القريض“، وهو مجموعة أشعار، وله “ترجمة والدته السيدة حفصة“..

يجمع المؤرخون وأدباء الرحلة على أن الرحلة الناصرية من أروع ما كتب في بابها بالمغرب، وتتميز بكثافتها العلمية والأدبية بالإضافة إلى الطرافة التي تطبع كثيرا من أجزائها، وقد تأثر بأسلوب شيخه العياشي في رحلته “ماء الموائد“، نستشف ذلك مثلا من قول الناصري في رحلته: “وصلينا الظهر بقصر مخيليف، ولم نجد به ماء، وفيه مواجن كثيرة مبنية بالحجارة المرصوصة بناء متقنا، ويجتمع فيه من ماء المطر ما يتبحر حتى يكاد يتفجر”، أما أبو سالم العياشي، فيقول في “ماء الموائد” عن نفس المكان: “ثم ارتحلنا من هناك وجئنا ظهرا لقصر المُخيلف ووجدنا فيه مياها كثيرة في مآجل، ووجدنا به جابيتين متلاصقتين مبنيتان بالحجارة المرصوصة بناء متقنا“؛ وهذا يثبت تأثر صاحبنا سيدي أحمد بناصر بالرحلة العياشية “ماء الموائد“، ولاشك أن العلاقة التي جمعت بين الرجلين وكذلك انتماؤهما لطريقة صوفية واحدة خلقت بينهما انسجاما وتكاملا سيظهر على مستوى الكتابة وطريقة الدعوة إلى العلم والصلاح، ولا ننسى أن سيدي أحمد طور الخزانة الناصرية حتى صارت مجمعا للعلوم على اختلاف أنواعها، وكذلك فعل العياشي في زاويته بمنطقة ملوية في جبال الأطلس المتوسط الشرقي التي ملأها كتبا متعددة التخصصات. نحن إذن إزاء “مدرسة ناصرية” اعتمدت في اعتقادي على ثوابت هي: تحصيل العلم وتلقينه، وجمع الكتب ووضعها رهن إشارة الطلاب مع ما يرافق ذلك من إيواء وإطعام طعام، والسير في الأرض بغية الحج والرواية والدراية وبحثا عن الخبرات الكونية. والمعروف أن الشيخ أبو العباس أحمد بناصر أقام الزاوية لإقامة دين الله وإطعام الطعام لوفود العرب والعجم ويأوي إليه المساكين والفقراء وطلبة العلم المجاورين المقيمين من الفقهاء والمدرسين والعباد بأهاليهم وأولادهم يأكلون ويشربون بفضل الله لا يحصون عددا، من هذا المنطلق أعتقد أن الزاوية الناصرية لم تُتناول من هذا المنظور عكس الجانب السياسي والاجتماعي الذي كتب عنه الكثير، بينما يبدو”النسق الفكري الاجتماعي” الذي ألمحنا إليه بالغ الأهمية نظرا لامتداد تأثيره في الواقع والمجال، ولفائدة هذا المبحث في الدراسات التاريخية والمجالية والحضارية..

نجد في رحلة أحمد بناصر أخبار نفيسة وطريفة من ذلك ما أخبرنا به سيدي أحمد بناصر “أن أحمد بن أبي بكر السكوني ما كان ليكتب كتابيه شرح دلائل الخيرات وشرح تنبيه الأنام، لولا “ما وجده من الكتب ميسرا في خزانة سيدي عبد الجبار”، يقصد خزانة العلامة سيدي عبد الجبار الفيكيكي..

ليس غريبا أن يهتم سيدي أحمد بناصر الدرعي بخزانة العلامة سيدي عبد الجبار الفيكيكي، وهو الذي حظي بزيارتها في أواخر القرن الحادي عشر (1096 هـ)، وقد زارها قبله والده سيدي محمد بناصر وزارها أيضا العلامة العياشي، يقول أحمد بناصر في رحلته: “ودخلنا هذه الخزانة تبركا في حجة ست وتسعين واقتداء بسيدنا الوالد وأطلعنا أولاده على إجازات أسلافهم سيدي عبد الجبار وولديه سيدي محمد وسيدي أحمد ورأيت عندهم كتبا غريبة وهي إلى الاندثار قريبة..“.

ولقد صدقت فراسة سيدي أحمد ابن ناصر، إذ ظهر في أواسط القرن الثاني عشر من استباح الخزانة الفيكيكية، وسرقت كتبها ومخطوطاتها والأمر لله..

وبالفعل فقد تلاشت خزانة سيدي عبد الجبار، والشاهد على ذلك فاضل آخر من فضلاء الزاوية الناصرية المفتونين بالخزائن والمكتبات: إنه سيدي محمد بن عبد السلام الناصري الذي كان قد حل بخزانة سيدي عبد الجبار الفيكيكي قرنا بعد زيارة سيدي أحمد بناصر (عام 1197هـ) يقول في رحلته الكبرى: “وزرنا في خلال هذه المدة ضريح الإمام العلامة الشريف الإدريسي سيدي عبد الجبار اقتداء بسلفنا وبالغ بنوه في ضيافتنا تقبل الله منهم، وأوقفونا علي تفسيره في اثني عشر جزءا من الكبير، قال في أوله أنه اختصر القرطبي فوجدناه يزيد عليه زيادة مستحسنة وفوائد مستعربة يطرزها بعبارات رقيقة ويوسمها بجواهره، وعلى نظم مختصر أبي المودة خليل لابن ابنه أبي القاسم بن محمد بن عبد الجبار وهو نظم سلس(..) وما رأينا عالما تصدى لمنثور أبي المودة، وكانت لهذا الإمام ونبيه من بعده خزانة كتب عظيمة احتوت على دواوين غريبة ثم تلاعب بها الأيدي الحدثان ومر الدهور والأزمان فتفرقت شذر مذر حتى لم يبق منها إلا الأثر“..رحم الله هؤلاء الأفاضل الناصريين، ورحم سيدي عبد الجبار الفيكيكي، لقد ساهموا بحق في بناء كياننا الفكري والثقافي..

لقد دأب علماء “الزواية الناصرية” بتامكروت بتدوين أخبار رحلاتهم الحجية، وقد سار على نهجهم عدد من العلماء الذين تخرجوا من زاوية تامكروت، وقد اشتهرت بهذا الخصوص رحلات محمد بن عبد السلام الناصري الكبرى والصغرى، ورحلة مفيدة لصاحبها سيدي محمد بن أبي بكر الحيوني، وقد خصها الأستاذ أحمد البوزيدي بمقالة مفيدة سماها جوانب من الحياة الاجتماعية والاقتصادية بمكة والمدينة من خلال رحلة الحيوني في أواسط القرن 13 هـ 19م” (العدد 357 ذو القعدة-ذو الحجة 1421 يناير-فبراير 2001).

وترجمة العلامة سيدي أحمد بناصر الدرعي موجودة في: “صفوة من انتشر” للإفراني، “وسلوة الأنفاس” للكتاني (1/298)، “والتقاط الدرر” للقادري (312-313)، “ونشر المثاني” للقادري (3/234-235)، “والتاج والإكليل” للقادري (184-185)، “والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام” للسملالي (2/357-361)، “وشجرة النور الزكية” لمحمد مخلوف (332)، “والأعلام” للزركلي (1/241)، ومحمد بن أحمد الحضيكي: “طبقات الحضيكي” المطبعة العربية (الدار البيضاء) الطبعة: 1–1355، الجزء الأول ص: 85-89، وأحمد بن خالد الناصري في “طلعة المشتري في النسب الجعفري” نشر المؤسسة الناصرية للثقافة والعلم -سلا- الجزء الأول ص 129. ومحمد المكي الناصري: “الدرر المرصعة بأخبار أعيان درعة” تقديم وتحقيق محمد الحبيب النوحي، رسالة ديبلوم الدراسات العليا، كلية الرباط 1988 ص: 134، ومعلمة المغرب (22/7379-7381..).

عندما قرر والد أحمد بناصر سيدي محمد بن ناصر الدرعي، إقامة خزانة علمية بتمكروت، في القرن السابع عشر الميلادي جنوب زاكورة، وتزويدها بأمهات المخطوطات مهما غلى ثمنها، ووقفها على طلبة العلم، لم يخطر بباله أنها ستصبح بعد قرون قليلة شبه مهملة في هذا المبنى البسيط المنسي وسط كل هذا الغبار..

لقد ابتدأ تأسيس دار الكتب الناصرية من أيام عبد الله بن ناصر الذي بذل مجهودا مهما في جمع كتبها الأولى، وإلى جانب المؤلفات تم شراؤها بالشراء، نسخ بنفسه واستنسخ العديد من الكتب، ومن مستنسخاته بخطه “القاموس للفيروزابادي”، وكتاب “الأمالي” لأبي علي القالي، وجزء من كتاب “العقد الفريد” لابن عبد ربه، و”المنصف في الكلام على مغنى ابن هشام”: للشمني..

كما اعتنى أيضا بتصحيح الكتب ومقابلتها وربط الفوائد بهوامشها، وقد عاين العلامة أبو العباس الهشتوكي كثيرا من كتبه خصوصا نسخ الصحيحين للبخاري ومسلم؛ غير أن الخزانة في عهد التأسيس لم تكن تتوفر على نظام مركز، وكانت الكتب في هذه الفترة كانت موضوعة على الأرض مباشرة.. أما عن بناية الخزانة فقد شيدت من طرف صاحبنا سيدي أحمد بناصر، وهو الذي اشترى لها الكتب من المغرب والشرق –كما مر معنا، وقد حظيت مصر بحظ وافر من مقتنيات أحمد بناصر.. ومعلوم أن أحمد بناصر هو الذي جلب إلى المغرب لأول مرة النسخة اليونينية من صحيح البخاري في عشرة أجزاء وعلى أول جزء منها بخط سيدي أحمد بناصر: “ملك لله تعالى، بيد أحمد بناصر كان الله له بمكة المشرفة، بثمانين دينارا ذهبا” وبعد سيدي أحمد بناصر اجتهد علماء الزاوية الناصرية في تزويدها بالكتب والمخطوطات، وسجل في هذا الصدد عمل يوسف بن محمد الكبير الناصري على تزويد الخزانة بكتاب “البيان والتحصيل لابن رشد” الذي تلقى في شأنه رسالة من السلطان سيدي محمد بن عبد الله يعده فيها أن يمده بها. كما أن كل من يتوفى من علماء زاوية تامكروت تضاف كتبه إلى المكتبة المركزية، بالإضافة إلى خزانات بعض العلماء الذي دأبوا على زيارة الزاوية، تم وقفوا خزاناتهم على خزانة تامكروت مثل أحمد إبراهيم السباعي وأبي العباس أحوزي الهشتوكي، وأبي الحسن علي الدمناتي حيث لا تزال خزانة الزاوية تحتفظ بخزاناتهم، والمثير للانتباه أن كل هؤلاء الفضلاء من أصول جبلية بدوية، وهذا إلماح مني إلى موضوع يشغلني باستمرار هو إعادة كتابة تاريخ الحركة الفكرية بالبادية المغربية، وإسهامها في التاريخ العلمي العام للمغرب، ولا شك أن هذا المبحث سيغري كثيرا من “المواقف” النظرية والعملية من البادية المغربية..

 هذا إضافة إلى أن بعض شيوخ الزاوية عملوا على حيازة المؤلفات الموقوفة على الزوايا الفرعية لنقلها إلى خزانة تمكروت، ولهذا لا تزال هذه الخزانة تحتفظ بمخطوطات موقوفة على زوايا الرباط وفاس وتطوان..

 توفي سيدي أحمد بناصر الدرعي رحمه الله ليلة الجمعة بين العشاءين تاسع عشر ربيع الثاني عام (1129هـ)، وقيل غير ذلك، ودفن في زاويتهم، ولم يخلف عقباً، وممن رثاه قاضي الجماعة عبد الكريم بن أحمد التنفوي بقصيدة مطلعها:

مـــات أبـــو العبـــاس شـــيخ         فاربــدّ وجه الأفق واستــغــبرا

ومما جاء فيها:

جمع كل المـــجد فــــي ذاتـــه          وليس ذا في العقل مُســتنكرا

قد أخمد البدعــــة في عــصره          وســـنة المخـــــتار قد أظـــهرا

وكتب غير واحد في مناقبه منهم تلميذه الحسين ابن شرحبيل البوسعيدي، رحم الله سيدي أحمد بناصر الدرعي وجازاه عن المغرب والإنسانية خيرا، والله الموفق للخير والمعين عليه..

أرسل تعليق